أصيب معظم البريطانيين بالدهشة والذهول لما كان يجري بالقرب منهم في مسجد حديقة فينزبوري في الفترة بين 1997 و،2003 وتعاظمت الدهشة لعدم تدخل الحكومة التي فاجأت الجميع بسوء تقديرها للوضع الخطر وتغافلها عن الخطاب المتشدد المنبعث من داخل المسجد· واليوم بعدما اتضح خطأ الجهات المعنية في التعامل مع المتطرفين، الذين اتخذوا من مسجد فينزبوري معقلهم الرئيسي للترويج لخطابهم المتشدد والحث على الكراهية، تقدم نواب حزب المحافظين المعارض في البرلمان بطلب إجراء تحقيق لتحديد المسؤوليات وفهم ما جرى· بيد أن طلب المعارضة قوبل بالرفض من قبل وزير الداخلية تشارلز كلارك الذي اعتبر أن المسألة عولجت ولا داعي لفتح تحقيق حول موضوع ولى وانتهى· بدأت القصة من مسجد فينزبوري القريب من ملعب أرسنال هايبوري وتطورت مع إمامه الذي يدعى ''أبو حمزة'' المولود في مصر سنة ،1958 حيث تولى إمامة المسجد سنة ·1997 ويذكر أن مسجد فينزبوري بلندن بني بضغط من الأمير تشارلز وبتمويل من ملك السعودية الراحل فهد بن عبدالعزيز·
بيد أن المسجد الذي شيد للعبادة سرعان ما تحول بعد قدوم أبي حمزة إلى محج يتوافد عليه المتشددون حتى أصبح حسب قول بيتر كلارك رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في سكوتلنديارد ''الموئل المفضل للمتطرفين''· وما أن استقر أبوحمزة في المسجد حتى التف حوله رهط من المريدين الذين أزاحوا المعتدلين ثم استغلوا المسجد كفضاء لاستقطاب الشباب المسلم والعمل على ملء عقولهم بالفكر الأصولي المتشدد وتحريضهم على ارتكاب العنف ضد الآخرين· وقد استطاع المتطرفون جمع أموال طائلة في وقت وجيز أرسل معظمها إلى الجماعات المسلحة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي· واللافت أنه بالرغم من التحذيرات التي أطلقتها بعض الشخصيات من مغبة خروج الوضع عن السيطرة، وبالرغم من لقاء رجال المخابرات البريطانية وشرطة لندن بأبي حمزة والتحدث إليه أكثر من مرة، إلا أن الوضع استمر على نفس الحال إلى غاية 2003 عندما قامت الشرطة باقتحام المسجد وأغلقته نهائيا· وأثناء تفتيش المسجد ذهل رجال الأمن لما اكتشفوه من مواد مريبة تشمل أقنعة واقية من الغازات الكيماوية، فضلا عن مجموعة من الأسلحة البيضاء والنارية· كما تم حجز بعض الوثائق المزورة مثل رخص قيادة السيارات وجوازات السفر، ما أكد الشبهات التي كانت تحوم حول المسجد بأنه تحول إلى قاعدة للتدريب· والغريب أن أحد الملصقات الإعلانية التي تروج للتدريب في المسجد كان يضع في الأعلى صورة لقنبلة يدوية·
ورغم كل الدلائل والإشارات التي كانت تتجه صوب أبي حمزة واحتمال انخراطه في أنشطة تحريضية، إلا أنه ظل طليقا ولم توقفه السلطات الأمنية البريطانية إلا عندما تقدمت الولايات المتحدة سنة 2004 بطلب ترحيل أبي حمزة لمقاضاته في المحاكم الأميركية بعدما اعتبرته أحد أخطر الإرهابيين في العالم· حينها اقتنعت السلطات البريطانية وقامت باعتقال أبي حمزة الذي وضعته في سجن بيلمارش بجنوب شرق لندن، حيث صدر في السابع من الشهر الجاري حكم يقضي بسجنه لمدة سبع سنوات بتهمة التحريض على القتل وإذكاء مشاعر الكراهية العرقية· لكن بالنظر إلى المدة التي قضاها رهن الاعتقال يضاف إليها نصف المدة التي سيمكثها خلف القضبان، فإنه لن يمر وقت طويل حتى نراه طليقا ينفث سمومه مجددا بين صفوف المسلمين ويستأنف خطابه التحريضي· وقد ساهمت المعلومات التي حصلت عليها الشرطة من الوثائق المختلفة التي احتجزتها في كشف هوية بعض المترددين على مسجد أبي حمزة والذين اشتركوا في أعمال إرهابية مثل ريتشارد ريد الذي ضبط في محاولة لتفجير إحدى الطائرات بحذاء ناسف· بالإضافة إلى زكريا الموسوي الذي يتهم بأنه الخاطف العشرون في هجمات 11 سبتمبر، فضلا عن تردد ثلاثة من مفجري قطارات أنفاق لندن على المسجد أيضا·
ويزداد رعبنا عندما نتخيل أنه ربما مازال هناك بعض الأشخاص الذين تأثروا بخطب أبي حمزة ينتظرون دورهم لتنفيذ كلماته التي تدعو بوضوح إلى ''محاربة الكفار وقتلهم أينما وجدوا''، وقد يكون ذلك في إحدى المدن البريطانية الكبرى· ومنذ أن صدر الحكم على أبي حمزة وأدخل السجن أدلى وزير الداخلية السابق ديفيد بلانكيت بتصريحات إلى وسائل الإعلام مفادها أنه كان دائم الشعور بالقلق من وجود أشخاص مثل أبي حمزة في بريطانيا، لكن المسؤولين الأمنيين طمأنوه مرارا بأن الرجل ليس سوى مغفل كثير الكلام ولا يجب أخذه على محمل الجد· ومع أنه فقد يديه وإحدى عينيه أثناء مقاتلته للشيوعيين في أفغانستان، إلا أن ذلك لم يجعل منه في أعين البريطانيين خطرا محتملا على أمنهم وسلامتهم، بل بالعكس كانت تلك الصفات تجعله أثيرا على صحافة التابلويد البريطانية· وفي الواقع يتعين على وزير الداخلية أن يتحمل مسؤوليته كاملة لأنه لم يولِ الموضوع ما يستحقه من أهمية، كما أنه فشل في لفت أنظار أعضاء الحكومة إلى خطورة أبي حمزة وحثهم على قراءة الواقع الذي كان ينذر بالانفجار· والأكثر من ذلك تناقلت بعض سائل الإعلام أن أبا حمزة كان قد التقى في وقت سابق بال